تصور مجموعة رسوم رعي الثور، التي تعود إلى مدرسة الزن zen، مراحل النمو والاكتشاف التي نختبرها عند انطلاقنا في رحلة الوعي الذاتي
تعود قصة الثور والراعي في جذورها إلى التراث الطاوي القديم، حيث كانت تصف حالة من الانفصال غير الحقيقي الذي تختبئ خلفه حقيقة الوحدة الجوهرية لكل ما هو موجود. وكانت القصة تنتهي عند الرسم الثامن. لكن راهب زن صيني يدعى كوان شيوان (يعرف أيضاً باسم كاكوان شين) قام في القرن الثاني بإضافة بعض التعديلات على القصة الطاوية التقليدية، ووضع الرسوم العشر والأبيات المرافقة لها متوسعاً في شرح هذه القصة الرمزية. عبر القرون التالية عمد كثيرون إلى إعادة صياغة الأبيات التي نظمها كوان، وأضافوا الحواشي المختلفة لكنهم جميعاً حافظوا على محتواها ومغزاها سليمين من أي تعديل
تشكل هذه القصة أحد مواضيع الرسم التقليدية في تراث الزن. وسيجد المهتمون عدداً غير قليل من الرسوم التي تتناول هذه القصة، وقد عمدنا هنا إلى عرض رسوم طباعة خشبية لـ تنشو شوبون، راهب الزن الياباني الذي عاش في القرن الخاس عشر.
1. البحث عن الثور
في مراعي هذ العالم، لا أنكفئ عن دفع العشب الطويل جانباً بحثاً عن الثور.
متتبعاً أنهراً لا أسماء لها، تائهاً في المسالك الجبيلة المتشابكة،
ها قد خارت قواي، وهمدت نشاطي، ولم استطع بعد العثور على الثور.
على مدى الغابة في الليل لا أسمع إلا صرير الجرادات.
ما ضاعَ الثورُ أبداً. فما الحاجة إلى البحث عنه؟ إنني أفشل في العثور عليه بسبب انفصالي عن طبيعتي الحقيقية. في غمرة تخبط الحواس أفقد أثره. بعيداً عن البيت، أرى العديد من الطرق المتقاطعة، إنما أي منها هي الطريق الصحيحة؟ ما زالت أشراك الجشع والخوف، والخير والشر تطبق عليّ.
2. اكتشاف آثار خطواته
على طول ضفة النهر تحت الشجرات أكتشفُ آثار خطوات.
حتى تحت العشب العابق بالشذا أرى آثاره.
أجدها عميقاً في الجبال.
لا يمكن أن تخفى تلك الآثار بعد اليوم
أكثر مما يخفى علي أنفي وأنا أنظر إلى السماء.
أما وقد فهمت فحوى التعاليم، فقد بدأت أرى آثار خطوات الثور. أعرف تماماً أنه كما تصنع أشياء كثيرة من المعدن ذاته، كذلك يمكن أن تصنع أشياء لا حصر لها من نسيج الذات. كيف لي أن أعرف الحقيقي من غير الحقيقي إذا لم أميز بينهما؟ لم أعبر البوابة بعد، لكنني عرفت الطريق.
3. إدراك الثور
أسمعُ أغنية الهزار.
الشمسُ دافئةٌ والنسيم عليلٌ،
وأشجارُ الصفصاف خضراءُ على امتداد الضفة:
هنا لا يمكن للثور أن يختبئ!
أي فنان يستطيع رسم هذا الرأسِ الضخم،
وهذين القرنين الرائعين؟
عندما يسمع المرء الصوت، يمكن له أن يعرف المصدر. حالما تندمج الحواس الست، تُعبر البوابة. أينما دخل المرء يمكنه أن يرى رأس الثور! إنها وحدة الملح والماء، هي كاللون في الصباغ. أصغر الأشياء ليس منفصلاً عن الذات.
4. الامساك بالثور
أمسكت الثور بعد صراع مريع.
إرادته العظيمة وقوته لا تنفدان.
إنه يرعى على هضاب عالية فوق السحاب والضباب،
أو يقف في أودية عصية على البلوغ.
لقد عاش في الغابة فترة طويلة، لكنني أمسكت به اليوم! الولع بالمناظر الطبيعية يعارض اتجاهه. ساعياً خلف العشب الطيب تجده يتيه مبتعداً. ما زال فكره عنيداً وغير مروض. إذا
أردت اخضاعه علي أن أرفع سوطي.
5. ترويض الثور
السوط والحبل ضروريان،
وإلا قد يشرد الثور ويضل على إحدى الدروب المكسوة بالغبار.
عندما يروض الثور جيداً يصبح لطيفاً بطبيعته.
عندها يطيع سيده وهو غير مقيد.
عندما تظهر فكرة تليها فكرة أخرى. عندما تنبع الفكرة الأولى من الاستنارة فإن جميع الأفكار التالية تكون صحيحة. إن المرء يجعل كل شيء خاطئاً من خلال وهمه. الوهم لا يولد من الموضوعية بل من الذاتية. أمسك بحلقة الأنف جيداً ولا تسمح لأي شك أن يخالجك.
6. ركوب الثور
راكباً على الثور، أعود ببطء قافلاً إلى دياري.
بحة نايي تسافر عبر المساء.
ضابطاً بضربات كفي التناغم َالنابضَ أوجِّهُ الإيقاع اللامتناهي.
كل من يسمع هذا اللحن سينضم إليً.
لقد انتهى الصراع، وتم استيعاب الربح والخسارة. ها أنا أغني أغنية حطابي القرية، وأعرف نغمات الأطفال. معتلياً الثور، أراقب الغيوم فوقي. إلى الأمام أسير وإن ناداني كائن من كان للرجوع.
7. الثور وقد تم تجاوزه
معتلياً الثور أبلغ بيتي.
أنا في سكينة. كما يمكن للثور أن يستريح.
ها قد أطل الفجر. في راحة مغبوطة،
داخل مسكني المسقوف بالقش، تخليت عن السوط والحبل.
هناك قانون واحد لا قانونان. الثور هو موضوع مؤقت. الأمر أشبه بعلاقة الأرنب بالفخ، أو السمكة بالشبكة. إنه كالذهب ونفايات المعادن أو كالقمر الطالع من وراء الغيوم. درب واحد من النور يسافر في الزمن اللانهائي.
8. الثور والذات وقد تم تجاوزهما
يذوب السوط والحبل والشخص والثور جميعاً في اللاشيء.
إن هذا الفردوس أوسع من أن تلطخه رسالة.
كيف لندبات الثلج أن تكون موجودة في نار ملتهبة؟
تلك هي آثار خطوات الأباء الأوائل.
لقد انتهت الوسائط. أنا لا أبحث عن الاستنارة. ولا أنا باق حيث لا استنارة. بما أني أختال لا هنا ولا هناك في أي منهما، فالعيون لا تستطيع رؤيتي. حتى ولو فرشت مئات العصافير دربي بالزهور فإن هذا التعظيم لن يكون ذا قيمة عندي.
9. بلوغ المصدر
كثيرة هي الخطوات التي كان لا بد منها لبلوغ الجذر والمصدر.
كان من الأفضل أن أكون أعمى وأصم من البداية!
قاطناً في مسكنه الحقيقي، غير منشغل بشيء مما هو خارجه،
يسيل النهر بهدوء والزهور حمراء اللون.
الحقيقة واضحة من البداية. ساكناً في حالة توازن أراقب جميع الأشكال وهي تندمج وتتفتت. من هو غير متعلق بالشكل لا يحتاج إلى “‘إعادة تشكيل”. المياه زمردية، الجبال نيلية وأنا أرى ذاك الذي يخلق وذاك الذي يدمر.
10. في العالم
حافي القدمين، عاري الصدر، أخالط الناس في هذا العالم.
ثيابي ممزقة، يكسوها الغبار، لكنني في غبطة دائمة.
لست أستخدم أي سحر لأطيل عمري؛
إنما الآن أمامي تنقلب الأشجار الميتة حية.
داخل بوابتي، لا يمكن لألف حكيم أن يعرفني. جمال حديقتي يدق عن الأبصار. لماذا يجب البحث عن آثار خطى الآباء؟ أذهب إلى السوق حاملاً قنينة نبيذي وأعود حاملاً عصاي. أزور الخمارة والسوق، وكل من ينظر إلي يستنير.