Reading time: 1 minute

بين السكون والذات

لعل من أكثر التجارب ندرة تلك التي تقودك فيها لحظات تظنها عشوائية إلى يقين مفاده أن الوعي الذي توجه من المركز إلى المحيط فصار فكراً، ولم يكن بعد من مركز ولا محيط، لم يزل وعياً صافياً كما كان، برغم كل الرفض المعتاد الذي تولده سذاجة تجربتنا اليومية المغرقة في تصديقها لمظاهر الفكر وحركته. لكن تلك اللحظات، على ندرتها، تبقى أكثر فعلاً في حياتياتنا المعاشة وأشد أثراً فيها من شهورٍ كثيرة وأعوام. لا بل كأنها هي الحياة بأسرها وكل ما سواها لم يكن إلا لتكون هي. فتجد تلك اللحظات في النهاية وقد خلعت عنها عشوائيتها لتتجلى كحتمية لا مفر منها، قائمة منذ الأزل، حقيقة جلية كالشمس، لا شك فيها ولا مراء

تلك اللحظات ليست لحظات حركة أو انتقال، إنما هي ثبات واستغراق في سكون ما هو كائن. إنها لحظات صمت يبدو معها كل آخر نافلاً طارئاً وكل فكرة، حتى فكرة إدراكك للصمت، ضجيجاً مؤلماً. في ذلك السكون تستوي جميع الأدوار وتمّحي جميع الحدود… فليس إلا السكون وحده، عارياً من كل تموج، مجرداً من كل اتجاه، خالياً من كل محتوى، مسقطاً عنه كل تاريخ وكل صباغ وكل هوية. هناك السكون هو الوعي الصافي، هو الناظر والمنظور والنظر هوالسامع والمسموع والسمع، هو كل شيء ولا شيء معاً

وإن كانت تلك التجارب في معظمها تجارب ذاتية محضة لا دور للظرف النسبي الموضوعي في ولادتها إلا أنها أيضاً قد توافيك وأنت في سياحة عابرة هنا أو هناك، كأنْ تقف عند تلك الحافة محاطاً بالجبال القاسية، مشرفاً على ذلك الوادي الجليل في ضانا الأردن… هناك في عمق السكون الأخّاذ يتهاوى الجدار الفاصل بين الخارج والداخل فلا يعود الخارج إلا بعض الداخل، كما يذوب الأخر في الذات، أو ربما هو الذات* الذي يتمدد إلى ما هو عليه حقاً فلا يعود ثمة من آخر. هناك حيث تمتزج السماء والأرض في سكون عصي على العقل، لا يتسع له إدراك، بل كأنما هو الحاضن الذي وسع الإدراك والسموات والأرض وما بينهما. هناك السكون والوعي واحد أحد. لا وعي إلا السكون ولا سكون إلا الوعي الصافي الخالي من كل غرض. هناك تقف ناظراً منظوراً متحركاً ساكناً، كأنك صاح في نومك العميق

لقد كان القدماء أرهف منا حسّاّ وألطف وعياً إذ كانوا يختارون لآلهتهم مساكن كتلك في الغابات الصماء والجبال العصية والأودية السحيقة حيث السكون ولا شيء سواه… فهناك تمشي الألوهة في كل ممر وتعبر مع كل نسمة… في مثل تلك الاماكن تدرك حقاً أن الله “كان ولا شيء معه”، ويقيناً أنه  ما زال”الآن على ما كان عليه”(1)

———

* نعامل كلمة الذات هنا معاملة المذكر عمداً

1. ”من الحديث الشريف قوله “كان الله ولا شيء معه” وفسر بعض العارفين قائلاً “وهو الآن كما كان عليه

Dr. Hisham Nasr

Dr. Hisham is a medical doctor, holistic therapist, self-care trainer, and an experienced yoga, meditation, mindfulness, and kriya teacher, with more than 25000 hours of international teaching experience. Having studied with prominent swamis throughout his youth, he established himself as one of the first yoga teachers in Lebanon. He has been conducting classes, workshops, retreats, and teacher trainings for more than 15 years in Lebanon and abroad.

  • Dr Hisham is one of the greatest teachers in the world, he taught me how to communicate in silence, how to be calm, he is caring loving and i felt like i know him since along time.
    He is an inspiration 💖🙏
    Hiba
    YTT student
  • "I did the teacher training with Dr hicham and he passed on a lot of knowledge and life experiences that he lived with the monks. His way of teaching is very personal and difficult to find in other schools. He is a funny but very professional person."
    Ahmad
    Yoga Student
  • "I have finally found my teacher. Dr Hicham is the most calm and reliable person I have ever met. He is a mind of knowledge, wisdom, spiritual wealth. Despite his experience and years of teaching he is humble and always ready to listen to people. I was lucky enough to talk to him about many things and open my mind to every vision of him."
    Angelica
    Yoga Teacher

Do you want to talk with me?

Feel free to contact me for any reason.
We can do so much togheter.
Contact Me
Copyright © 2024 All Rights Reserved